القصة القصيرة

القصة القصيرة:

تجارب واتجاهات وتطبيقات في مهارات الكتابة

في التعريفين الذين أوردناهما في الحلقة السابقة، هنالك كلمتان رئيستان تشكل كل واحدة منهما مفتاحا أساسياً لعالم القصة وهما (الترابط) و(التصميم). فالقصة لاتشبه تلك الرسالة التي تكتبها من مدينة أو بلد ما، وبإختصار نقول أن أحداث القصة القصيرة ليست عشوائية.. إذ أن علي القاص أن يختار، أن ينظم، وأن يصف وأن يخضع كل ذلك إلي تخطيط وتصميم وغرض كامن في ذهنه وأن مايربط الأحداث ينطلق من وظيفة ومساهمة كل حدث في إنجاز أو تحقيق ذلك الهدف الموحد.
هنالك أهداف عديدة محتملة. فربما كنت راغباً في إختبار بعض جوانب الطبيعة الإنسانية، ربما كنت تريد أن تساعد نفسك وقراءك في فهم وتصور كيفية الدخول في التجربة الإنسانية أياً كانت. لذا يجب أن تكافح لكي توجد جواً محدداً أو عاطفة محركة لذهن قرائك، ومهما كان هدفك سيكون هدفاً تنظيميا للقصة، يعطيها تماسكاً، ترابطاً منطقياً، وإحساساً بالإكتمال.
إن القرارات التي تتخذها حول القصة يمكن أن تتحدد في مجموعة أسئلة أساسية:

من هي الشخصيات؟

ما هي الأحداث؟

كيف تبني القصة؟

ماهي الكلمات التي تختارها في القص؟

فكل هذه الأسئلة تتجه نحو الهدف وتنبع منه. يجب أن تتذكر أن أي شيء دخيل ومعقد في الواقع يمكن أن ينفرك أنت أولاً وينفر قرائك تالياً ويحول دون بلوغ الهدف من القصة ثانياً لذا يفترض أن لاتجعل الصوت الدال علي هدفك مبالغاً فيه أومخيبا لآمال القراء.. لاتقلق فأنك لاتتسلق قمة إيفرست ولاتتدحرج من منحدر سحيق..بل تقوم بسرد قصة ما، وتذكر أن (السرد مصمم للإمتاع، للجذب، ولإعلام القراء) وأن هنالك طرق و مصادر كبيرة وصغيرة للإمتاع والدهشة ولإعلام القارئ. ولنعد للحديث عن الهدف....ذلك أنك لاتحتاج لتحديد هدفك قبل أن تبدأ، وكما أوضحنا فإن كتابة القصة القصيرة هي عملية إكتشاف بحت ليس فقط لإيجاد الإجابات ولكن أكثر من ذلك لتشخيص الأسئلة، المتعلقة ببناء القصة، عندما تخطط لقصتك وتكتب المسودات الأولي، سوف تصل إلي وضوح للهدف الذي تنشده

القرار أو الإقتراب من الهدف

إن فائدة التمكن من هدف ما للقصة هو أنه يعطيك إتجاهاً ويوجهك نحو مقصد يفترض الوصول إليه، وعندما تصل فإنك ستكون قد حصلت علي نتيجة مقترنة بإحساس بالحل أو الإقتراب منه وهو إحساس نادر ورائع في الحياة.
كلاهما، الكاتب والقارئ يتجهان لإكتشاف كيفية الوصول للنتيجة ويشغلهما ذلك. هذا يعني أن الأسئلة الأساسية المفروضة من القصة ستتم الإجابة عليها قبل نهاية الورقة، لكن هذا لايعني عدم وجود غموض باق، أو أن القارئ سوف يعلم متأكداً بأن الشخصيات سوف تعيش أو لاتعيش بسعادة بعد ذلك، لكن القصة ستحقق إكتمالها بنفسها، وهذه الأحداث المترابطة ستصل الي خلاصاتها المنطقية.. أي شيء آخر قد يحدث خارج هذا يعود لقصة أخري وفكرة أخري لذا يجب ألا نشوش بوجود أكثر من هدف.

كلمة حول الفكرة

مادمت تكتب القصة فستسأل مراراً ما فكرة قصتك؟ والذي يحصل هو أنك قد لاتعرف الإجابة.(هيا أجبني) يسألك شخص ما.. وهو يصر أن لكل قصة فكرة ما محددة، وهو محق.. حسناً ربما ستكون الحقيقة في كثير من القصص المؤثرة كامنة في التفاصيل الدقيقة والخالصة والمحددة للشخصيات، وحتي الأحداث التي تقع يفترض أنها تستخدم لإيضاح مفاهيم مجردة أو أفكار أكبر مثل (طبيعة العدالة) أو (الفرق بين الحب الرومانسي وحب الوالدين) مثلا..
في بعض الأحيان تكون الرغبة في إكتشاف فكرة محددة هي التي تزودك بهدف القصة ولكن قد يعني ذلك أنك ستكمل مسودات عديدة قبل أن تقتنع ماهي الفكرة.
في الحقيقةإنك تستطيع كتابة قصة لايشعر القارئ أنها تحمل فكرة مقحمة عليه ويمضي في قراءتها دون أن يشعر أنه مبال لفكرتها علي الإطلاق. الفكرة تمتزج دائماً عندما تلفت الإنتباه الي جميع التفاصيل الأخري لفن الكتابة الذي تكتب بموجبه وللمهارة في الكتابة التي تمتلكها.

ماهو طول القصة القصيرة؟

القياس النموذجي للقصة القصيرة يشير إلي أن طولها يجب أن يفي بالضبط بماتتطلبه، لاأطول ولا أقصر، بكلمة أخري، استخدم عدد الكلمات التي تحتاجها من أجل أن تروي القصة بطريقة مؤثرة.
وتبقي هنالك قياسات متفق عليها، فمثلاً إذا ما واصلت الكتابة الي عدد من الكلمات مقداره 20.000 كلمة أو حول ذلك، فإنك تكون قد بلغت حافة نهاية منطقة القصة القصيرة وبدأت بدخول عالم الرواية القصيرة تحديداً (النوفيلا).
وتجد كثيراً من المجلات تفضل القصص التي لايزيد عدد كلماتها علي 5.000 كلمة او أقل من ذلك، وبعض الناشرين يطالبون بقصص قصيرة وهذا يعني شكلاً مختلفا ولكنه يتجه الي نص لايزيد عدد كلماته علن 2.000 كلمة.
في الرواية يصل عدد الكلمات إلي 75 ألف كلمة و100 ألف كلمة وهو المستوي التقليدي لطول الرواية وحتي لو امتدت الي أكثر من ذلك فهي مسألة عادية لذا يجب أن تعرف مسارك الي أين وماهي مساحة حركتك في فضاء القصة، أن تحدد وتؤطر منظورك القصصي وحتي منظورك الفلسفي يمكنك أن تختصر عقوداً ومراحل من الزمن ويمكنك أن تجوب العالم في مساحة القصة الصحيح والمحدد.
ولكن وبسبب كونها قصيرة فأن القصة تحتاج الي تسليط الضوء علي الأشياء بشكل محدد ومركز. الإضاءة التي توفرها من أعلي وأقرب الي شعاع الضوء الخاطف.
بالإضافة لكل هذا يجب أن تعيد النظر في تاريخ حياة الشخصيات الرئيسية وتذكر ان القصة القصيرة تقوم علي العلاقة الواحدة أي حالة محددة، و علي حدث مميز، وعلي لحظة مختلفة عما عداها من الزمن.

إيجاد فكرة ما لكتابتها

لكي تبدأ بكتابة قصة مافإنك تحتاج إلي فكرة. هذا المطلب يوقف طموح العديد من الكتاب وقبل ان يبدأوا فإنهم يشعرون إنهم عاجزون عن إيجاد قصة يسطرونها علي الورق. فأين يمكن أن تجد قصصك؟
هذا السؤال هو الذي يتردد في أذهان الكتاب وهو سؤال كثير التكرار حتي أن بعضهم مل من سماعه.ولقد سمعت أحد الكتاب يقول متذمراً (كأن الناس يتوقعون مني أن أسمي لهم قائمة بالأماكن التي يمكن أن يعثروا فيها علي أفكار مضمونة لكي يكتبوا قصصاً جيدة ويحققوا بعد ذلك شهرة وربحاً).
لكن السؤال جدير بالإهتمام في كل حال، في مقابل ذلك فإن الواقع يقول أن لاجواب محدد عليه.
وهنا لابد من القول إن أهمية الفكرة تنبع من إنها توقد وتطلق شرارة العملية الإبداعية، التي تعد واحدة من أكثر المفاهيم غموضا وتحدياً للوعي الإنساني. فالكتاب الضليعون في القصة يمتلكون أفكاراً في كل وقت ولهذا السبب ربما يجدون السؤال محيراً بل ومملا ايضا.ربما كان العثور علي الأفكار سهلا لكن المشكلة هي في ايجاد صيغة ما للجلوس والكتابة بمعني الإنطلاق نحو الكتابة، والتحدي هنا هو في تمييز تلك الأفكار ماهو عادي منها وماهو لافت للنظر حقا ومختلف.. ثم الإمساك بها قبل أن تضيع من بين أيدينا.

أتمنى لكم الفائدة

القصة القصيرة

القصة القصيرة

القصة القصيرة :: تعاليق