بقلم عيسى قراقع

كشفت منظمة حقوقية إسرائيلية في تقرير لها مؤخراً أن معّدل الوقت الذي تستغرقه المحاكم العسكرية الإسرائيلية لتمديد اعتقال الفلسطيني لا تزيد عن ثلاث دقائق وأربع ثوان فقط...

التقرير أوضح مدى الاستهتار القضائي الإسرائيلي بحقوق الأسرى الفلسطينيين وبالقانون الدولي الإنساني من خلال عدم توفر الحد الأدنى من الإجراءات العادلة في المحاكم الإسرائيلية.

أكثر من نصف مليون فلسطيني مروا على محاكم الاحتلال العسكري منذ عام 1967، لتتحول الدقائق المعدودة في المحاكمة إلى زمن مفتوح في سجون تمتد من النقب إلى الجليل...

لقد سجل القضاء الإسرائيلي تاريخاً قوامه الظلم والإجحاف وهدم حياة الفلسطينيين من خلال إضفاءه الشرعية على الاحتلال بواسطة ما يسمى سلطة القانون.
المراقب للمحاكم الإسرائيلية يكتشف أنها تحولت إلى جلاد يصدر الأحكام القاسية والعالية وبلا أي اعتبار قانوني بحق المعتقلين الفلسطينيين، حيث تتصرف كأداة تنفيذية بيد جهاز الشاباك الإسرائيلي وليس منبراً للعدالة...

بعد تولي المدعو "ايرز حّسونة" رئاسة النيابة العسكرية في المحاكم الإسرائيلية عام 2007، أعلن بوقاحة أن سيكسر شوكة المحامين الفلسطينيين، وسيتبع سياسة جديدة ترمي إلى رفع مستوى الأحكام والعقوبات بحق المعتقلين الفلسطينيين.

ان سير الإجراءات المتبعة في المحاكم العسكرية الإسرائيلية تشير إلى ان هذه المحاكم تمارس دور الشريك الكامل في العملية الاحتلالية والسيطرة على الشعب الفلسطيني.

لا أحد بريء في محاكم الاحتلال، لهذا فان نسبة البراءة وصلت إلى مستوى الصفر خلال عام 2006 من بين 9123 قضية حسب تقرير المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان...

شهدت محاكم الاحتلال الإسرائيلية محاكمات جماعية وسريعة، شملت الأطفال القاصرين والفتيان الصغار مخالفة بذلك كل الأعراف الدولية والإنسانية بعد أن انتزعت اعترافات الكثير منهم تحت الضغط والتهديد وإجبارهم على التوقيع على إفادات باللغة العبرية لا يعرفون مضمونها...

ولا زال قانون الاعتقال الإداري المحرم دولياً فعّالاً بحق الآلاف من الأسرى دون محاكمة وبلا لائحة اتهام ليتحول الأسرى إلى رهائن لما يُسمى الملف السري والمصير المجهول...

ثلاث دقائق وأربع ثوان، كفيلة أن تزج بأي فلسطيني في السجن، وأن يترتب عليها نظام يمنع زيارة المحامين ومعرفة التهم المنسوبة إليهم...

ثلاث دقائق وأربع ثوان، يصبح خلالها المواطن الفلسطيني تحت رحمة إجراءات الاعتقال التعسفية من تمديد يصل إلى 90 يوماً، والى حرمان من الزيارة، والتعرض للتنكيل والتعذيب والإهمال الصحي والاهانات...

هذه المحاكم التي تمارس دور المقصلة بلا إعدام هي التي فرضت أحكام المؤبد ومدى حياة على آلاف الأسرى ولا زالت تجبي ملايين الشواقل من الأسرى تحت ما يُسمى الغرامات المالية...

يحظى نظام التحقيقات الخاص بجهاز المخابرات الإسرائيلي بدعم ملحوظ من قبل محكمة العدل العليا الإسرائيلية التي تعمل كختم مطاطي للأوامر التي تنظم احتجاز المعتقلين وعزلهم والسماح بتعذيبهم....

لقد أعطت محاكم الاحتلال الشرعية والغطاء والقانوني لممارسة التعذيب بحق الأسرى وإعدامهم ميدانياً وأجازات اغتيال الفلسطينيين على اعتبار أن كل فلسطيني هو "إرهابي" وقنبلة موقوتة...

وتحت ذرائع الأمن، أصدر القضاء الإسرائيلي جملة من القرارات تسمح من خلالها بإبعاد الفلسطينيين وهدم بيوتهم وبناء المستوطنات والجدار وتبرير استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية خلال الاعتقال واستخدام قنابل بوزن طن تلقى على رؤوس المدنيين الأبرياء.

لم تنظر محاكم الاحتلال في أكثر من 2000 شكوى قدمت بحق جنود وضباط إسرائيليين مارسوا التنكيل والقتل والإذلال بحق الفلسطينيين...

لقد كرسّ القضاء الإسرائيلي العنصرية والتمييز من خلال إجراءاته القانونية بإصدار أحكام عفو أو أحكام مخففة تثير السخرية بحق جنود ومستوطنين قتلوا أطفالاً فلسطينيين وارتكبوا أعمالاً شاذة ولا أخلاقية بحق السكان الفلسطينيين...
ثلاث دقائق وأربع ثوان، وتجد نفسك أمام محكمة عسكرية يقودها "زرازير" القضاء في إسرائيل ومن خلال سلسلة من القوانين العسكرية البائدة التي لا تهدف إلا لتزويق وجه الاحتلال.

ثلاث دقائق وأربع ثوانٍ تحولت إلى أربعين عاماً من الاحتلال وأربعين مؤبداً وأربعين سجناً، ظلماتٍ فوق ظلمات...

ثلاث دقائق وأربع ثوانٍ يصبح خلالها اللون البرتقالي هو لون ملابسك، ويستبدل اسمك برقمٍ متسلسل في وزارة الدفاع الإسرائيلي، وإن مت فليس لك قبراً ولا دعوة للمشيعين والوداع...

ثلاث دقائق وأربع ثوانٍ هي مقياس النسيان في زمن الاحتلال، الحاضر غائب، والغائب صار رقم حسابٍ في كنتين، مجرداً من فكرته السياسية والإنسانية، مسحوقاً ككلماتٍ متناثرة في شعارٍ مربوطٍ بسلاسل من حديد...

ثلاث دقائق وأربع ثوان، وتغلق عليك أبواب الزنزانة، تسمع صدى الحديد والعفونة ولا تسمع أي صوت قادم من المجتمع الدولي ورعاة حقوق الإنسان ومواثيقه وشريعته...






المصدر: منتديات عائلة أبومصطفى